تجاوزات ناظر الثانوية
Les Dépassements Du Censeur
موضوع الساعة الأساسي عند الأساتذة اليوم هو التوقيت الذي عاث فيه الناظر(معاون المدير) فسادا بعد أن كلفه المدير للمرة الأولى بإعداده. جعل ساعاتهم موزعة على كافة أيام الأسبوع صباحا ومساء مخفيا تسلطه وراء مصلحة التلاميذ. احتج الأساتذة فطلب المدير منهم التفاهم فيما بينهم لحل مشاكل التوقيت. كان المدير يعتقد أن الإدارة وجدت لتسهيل العملية التعليمية، فالتلاميذ أولا والأساتذة ثانيا والإدارة أخيرا. وكان الناظر يؤمن بأن الإدارة هي المدرسة والكل تبع لها وخدم ما داموا يأتمرون بأمرها.
ليست هذه المرة الأولى التي يسيء فيها الناظر استعمال صلاحياته، فقد كلفه المدير في العام الماضي بتسهيل طباعة مجلة الثانوية التي أشرفت على إعدادها لجنة من التلاميذ والأساتذة، وكنت مع الأستاذ العروسي من بينهم. سلمنا مواضيع المجلة وزواياها ورسومها إلى الناظر، فحذف أسماء التلاميذ معدي الزوايا الثقافية والترفيهية والرياضية والفنية، وأسماء المبدعين من شعراء ورسامين وخطاطين، كما حذف أسماء لجنة التحرير وعوّضها بإدارة الثانوية. قلت له محتجا:"التلاميذ هم الذين أنجزوا المحلة وليست الإدارة، فلماذا حذفت أسماءهم¿".
ـ"إنها عمل جماعي وهي باسم الثانوية لا باسم الأفراد".
ـ"العمل الجماعي لا يستلزم إنكار جهود الأفراد بل يجب إبراز عمل كل منهم، ولن يقتنوا المجلة إذا لم يروا أسماءهم فيها".
ـ"سنجبرهم على شرائها، وسنقتطع دينارا من منحة كل منهم ثمنها".
ـ"لكن المجلة التي تباع جبراً لاتقرأ جبراً ".
ـ"المهم أن تصدر مجلة باسم الثانوية وأن يعرف المسؤولون نشاطنا".
كان يحدثني بإصرار واعتداد مما اضطرّني إلى الاستنجاد بالمدير الذي غضب واستدعاه وسمع حجته، ثم وبخه قائلا: "كلفتك بالإشراف على طباعة المجلة لا بالتدخّل فيما لايعنيك. لو خرجت المجلة كما تريد لكانت فضيحة لنا. وبدلا من أن تشجع هؤلاء التلاميذ في باكورة أعمالهم ليزداد عطاؤهم، تثبط هممهم، وتسرق إنتاجهم".
اعتذر الناظر أمام المدير بحرقة وتذلل عن غلطته مدعيا أن نيته كانت حسنة، وأنه اجتهد فأخطأ. كان الناظر من المرؤوسين الذين يتخذ أحدهم شكل الإناء الذي يوضع فيه أمام رؤسائه، ويتحول إلى غول مفترس أمام مرؤوسيه. وكثيرا ما لمس المدير نفاقه وانبطاحه أمام أصحاب الحل والعقد في وزارة التربية وفي غيرها، متنصلا من صلابة المدير ظاهرا أمامهم بمظهر المرن المستعد لتلبية أي رغبة لهم لو أطلقت يده. ومرونة الناظر تنبع من حريته المطلقة في التحرك في كل الاتجاهات دون أن يصطدم بأي حاجز فليست لديه مقدسات ولا خطوط حمراء تحد من سيره أوتعيق حركته. فلو أطلقت يده وأصبح هو المدير لاتخذت الأمور منحى آخر، ولكان بيدقا من بيادقهم يحركونه كما يشاؤون. كان آكلي يتعامى عن دسائس الناظر ويتغابى. و"سيد القوم المتغابي" كما يقول له العروسي دائما، ولكنه يدرك أن المسؤولين ـ في هذه المرحلة على الأقل ـ يبحثون عندما يقررون التغيير عن رأس آخر أكثر مرونة لا عن ذيل لوضعه مكان الرأس. ولعل ضآلة جسمه وصفرة وجهه المستديمة ـ رغم الوجبات الدسمة التي يزدردها ـ والبثور التي تملأ جبينه ووجنتيه، وقد حار فيها الأطباء، ولم يجدوا سبباً عضوياً لها، ونظرته الكئيبة الممزوجة بالحقد توحي بأنه ليس في سلام مع نفسه، وأن شيئا ما في الداخل ينهش قلبه وينخر روحه. ربما لأنه لم يستطع إشباع طمعه وتلهفه على السلطة،ويحسد المستطيعين.
ÚÈÏ Çááå ÎãøÇÑ
من رواية "جرس الدّخول إلى الحصّة"